Rabu, 09 November 2011

فقه المعاملات 2


Bab 1 الحجر
·       الحجر لغة: التضييق والمنع.
·       وفي الاصطلاح: تدور معانيه على منع المرء من التصرف لحظ نفسه أو حظ غيره.
·       ثبتت مشروعية الحجر بالكتاب والسنة والإجماع.
·       وقد قسّمه العلماء لعدد من الأقسام بحسب أقسام المحجور عليهم وبحسب مصدر الحجر، وكذلك بحسب المتفق عليه والمختلف عليه من أقسام المحجورين.
·       ويخرج المحجور عليه من الحجر بحسب زوال سبب الحجر فالصبي بالبلوغ مع الرشد عند الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة الذي لم يشترط الرشد لمن بلغ الخامسة والعشرين، والمجنون بالإفاقة التامة وغير التامة، فلكل حالة حكمها.
·       وأما السفيه فهو من لا يحسن التصرف في ماله عند الحنفية ولو لم يكن صالح الديانة، خلافًا للشافعية الذين اشترطوا صلاح الديانة لبلوغ الرشد بالإضافة لحسن التصرف في المال، ويرتفع الحجر عن السفيه ببلوغه الخامسة
والعشرين عند الحنفية فقط، وأنهم مع المالكية فرقوا بين المميز وغير المميز من حيث التصرفات القولية والفعلية، بينما ذهب الشافعية والحنابلة لعدم التفرقة مع إجازة الحنابلة أن يأذن الولي للمميز غير الراشد

Bab 2 التفليس
المفلس: من لم يكف ماله لقضاء دينه، ويرى الفقهاء أنه لا يُحجر عليه إلا بقول الحاكم، وأن الغرماء يقتسمون ماله وفاء لما عليه، وأن الحكم بالتفليس يترتب عليه تعلق حق الغرماء بماله، وعدم جواز تصرفه بما يضر بحق الغرماء وانقطاع مطالبته، وكذلك يتم تقاسم المال حسب الحصص.
·       اختلف الفقهاء في العبد المأذون له في التجارة إذا أفلس فقيل: يثبت في ذمته، وقيل: يرجع الغرماء على سيده، وأما الديون المؤجلة فلا تحل بالإفلاس عند الجمهور خلاف للشافعية في قول والمالكية، وقد ذهب الفقهاء إلى جواز حبس المفلس ليتبين إفلاسه، خلاف لمن قال بملازمته للاطلاع على وضعه من كسب مال أو غيره

Bab3 الصلح
·       الصلح عقد يقصد به قطع النزاع.
·       أركانه: الصيغة، والمصالح عليه، وأطراف الصلح.
·       ينقسم الصلح إلى صلح على إقرار ووصلح على إنكار وصلح على سكوت، ويقع بين المدعين وبين المدعى عليه والأجنبي، ويشترط أن يكون المصالِح عاقلًا غير مرتد، وأن يقع على متقوم معلوم وحق ثابت يجوز عليه العوض.
·       ذهب كثير من العلماء إلى صحة الصلح على الإقرار والإنكار، وصحته بين المدعي والمدعى عليه وبين الأجنبي، بشروط وضوابط وتفاصيل في كل مذهب من المذاهب الأربعة، مع القول بالجواز في الجملة


Bab4 الكفالة
  الكفالة: ضم ذمة إلى ذمة في التزام الدين وفي المطالبة، وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي من عقود التبرع، وتصح بالدين والعين والنفس عند بعض الفقهاء، كما أنها تصح منجّزة ومعلقة.
·       تكون الكفالة بحق لازم مقدور على استيفائه مستحق لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
·       للدائن مطالبة أيهما شاء، وللكفيل الرجوع على المضمون عنه بعد الأداء خلافًا لمن قال: إن الكفالة كالحوالة تسقط الدين عن ذمة المدين الأصلي، وتلزم الكفيل

Bab 5 الحوالة
  الحوالة: نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
·       أركانها: المحيل، والمحال عليه، والمحال، والمحال به.
·       ولكل منهم شروط لدى العلماء؛ كأهلية التصرف، ونحو ذلك.
·       يشترط كون الدين المحال به متفق مع الدين المحال عليه في الجنس والقدر والوصف والحلول والأجل.
·       ذهب جمهور العلماء إلى أن المحال ليس له الرجوع على المحيل إذا ما تبين إنكار وإفلاس وجحد المحال عليه للدين المحال به على تفصيل في كل مذهب من المذاهب الأربعة

Bab6  & 7 الوكالة
     الوكالة لغة: هي التفويض والحفظ.
·       واصطلاحًا: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
·       وقد ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع.
·       وأركانها أربعة: الصيغة والوكيل والموكل والموكل فيه.
·       وتجوز ترفعًا وعجزًا.
·       تصح الوكالة منجزة ومعلقة ومضافة للمستقبل.
تقوم الوكالة على الموكِل والوكيل والموكَل فيه، فيشترط الأهلية في الموكل والوكيل، وأما الصبي المميز والسفيه والمفلس ونحوهم؛ فقد اختلف الفقهاء في وكالتهم بشروط، كما أنهم أجازوا وكالة المرأة إلا أن الحنفية قيدوها بالخفرة عير البرزة، وأن يكون الموكل فيه معلومًا تدخله النيابة، وأما من حيث العجز والقدرة فعلى أقسام ثلاث.
·       اتفق الجمهور على أن الوكيل ليس له الإقرار على موكله خلافًا لأبي حنيفة.
·       كما أن الوكيل في البيع لا يفعل ما يضر بالموكل كالبيع بأقل من ثمن المثل عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة الذي قال بموجب الاطلاق.
·       تنفسخ الوكالة بالموت، وانتهاء وقتها، والحجر على الموكل

Bab8 اللقطة
اللقطة: ما وجد من مال ضائع، لغير حربي، ليس بمحرز، ولا ممتنع بقوته، ولا يعرف الواجد مالكه، وثبتت مشروعيتها بالكتاب والسنة، ويستحب لمن عرف من نفسه القيام بحقها التقاطها، وإلا كره، أو حرم لمن تملكها دون تعريف.
·       وجوّز الجمهور التقاط كل أحد من مكلف وغيره، خلافًا لبعض المالكية والشافعية حيث ذهبوا إلى عدم صحة التقاط غير المكلف.
·        يشرع الإشهاد على اللقطة، ويجب تعريفها عامًا بمحافل الناس، وسواء من أخذها بنية التعريف والحفظ، أو التعريف ثم التملك بعد مرور مدة التعريف، ولا ضمان على من أخذها لحفظها ويضمنها بالتلف لو أخذها بقصد التملك

فقه الجنايات

Bab1 مدخل إلى فقه الحدود والجنايات
 وعرفه الإمام ابن الهمام فقال بأنه التصديق لأعمال المكلفين، وعرفه آخرون : بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
·       وعليه فإن المقصود بالأحكام الشرعية ما لا يدرك لولا خطاب الشارع، سواء كان الخطاب لنفس الحكم أو لنظيره أو المقيس عليه، والمقصود بالفرعية أي: المتعلقة بمسائل الفروع، فالأحكام الفرعية لا تكون إلا في العمل، والمراد بالأحكام الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
·       والجناية في اللغة: الذنب والجرم، وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص، ومنه الحديث ((ما يجني جان إلا على نفسه)).
·       وهناك من يقول في تعريف الجناية كابن عرفة: الجنايات جمع جناية، والجناية في الاصطلاح هي الأحكام التي شرعها الله تعالى أو شرع أصولها، والتي تختص بتحديد الأفعال التي تعد جرائم وتبين العقوبة فيها
   وعليه، فإنه لا عقوبة في الفقه الجنائي إلا إذا كانت هناك جريمة، وقد عرفها الزيلعي بقوله: إنها اسم لفعل محرم شرعًا، وكذلك ما يطلق على ما يكون في النفس والأطراف.
·       وعرفها ابن قدامة بقوله: بأنها كل فعل على نفس أو مال، لكنها في العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان.
·       والملاحظ من خلال تعريفات الفقهاء للجناية في الاصطلاح يجد أنهم يعنون بها معنًى خاصًّا عرفًا، وهو الجناية على النفس أو الأطراف، ولا يقصدون بها المعنى العام، وهو الفعل المحرم شرعًا، كأن التشريع الجنائي الإسلامي يتعلق بهذا المعنى الخاص، والذي يتناول الجناية على النفس أو الأطراف دون المعنى العام الذي يقصد به الفعل المحرم شرعًا.
·       بينما نجد البعض الآخر يرى أن لفظ الجناية يطلق على جرائم الحدود والقصاص، فتشمل: النفس، والبدن،
...والفرج،  والعرض والمال، والمحرمات من المأكولات والمشروبات.
·       من المتفق عليه بين جمهور الفقهاء أن مصادر التشريع الإسلامي أربعة: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس. ويعبر الفقهاء عن المصادر التشريعية بأنها الأدلة التي تستمد منها الأحكام.
·       ومن المتفق عليه أيضًا أن الحكم الذي يدل عليه واحد من هذه الأدلة الأربعة هو حكم واجب الاتباع، ويرتب الفقهاء الأدلة والاستدلال بها طبقًا للترتيب الذي ذكرناه، فالمصدر الأول للشريعة هو القرآن، والمصدر الثاني هو السنة، والمصدر الثالث هو الإجماع، والمصدر الرابع هو القياس.
·       وهناك مصادر أخرى للشريعة مختلف عليها، فيراها البعض مصادر تشريعية، أحكامها ملزمة، ولا يراها البعض الآخر كذلك، والمصادر المختلف عليها هي: الاستحسان، والاستصحاب، والمصلحة المرسلة، والعرف، وشرع من قبلنا، ومذهب الصحابي، مع مراعاة أن البعض منها متفق عليه، والبعض مختلف عليه
·       أما مصادر التشريع الإسلامي الجنائي المقرر للجرائم والعقوبات فأربعة، منها ثلاثة متفق عليها، وهي: القرآن، السنة، الإجماع.
·       أما الرابع فهو القياس، وقد اختلف فيه الفقهاء فرأى البعض أنه مصدر تشريعي جنائي، ورأى البعض أنه ليس مصدرًا في تقرير الجرائم والعقوبات.
 ·       ولا شك أن من مقاصد التشريع أو من أسس التشريع عدم الحرج ورعاية مصالح الناس جميعًا، وتحقيق العدل بين
      الناس.
·       وفي عدم الحرج ورفع المشقة تعددت آيات القرآن الكريم، منها: ((مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)) ، ومنها ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) ، ومنها ((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ))  وغير ذلك من الآيات التي نرى منها أن الله هو الرحمن الرحيم العالم بتفاوت الناس صحة ومرضًا، قوة وضعفًا، رفع عنا
  ...الحرج، ودفع المشقة عن الناس جميعًا بعامة وعن المرضى والمصابين بخاصة.
·       ولرفع الحرج ورفع المشقة مظاهر كثيرة، منها ما هو في العبادات، ومنها ما هو في المعاملات، ومنها ما هو في العقوبات.
·       والحقيقة أن الكثير من العقلاء -إن لم يكن العقلاء جميعًا- يجزمون في دخيلة نفوسهم بأن خير علاج للقضاء على الجريمة، وأن أحسن ما ينبغي أن يكون من العلاج إنما هو العلاج الذي وضعه العليم الخبير الذي خلق الإنسان، ويعلم ظاهر أمره وباطن سره ((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) والناس يرغبون في ذلك أشد الرغبة، بل ويعلنون عن رغبتهم كلما سنحت لهم فرصة، بيد أن الشيطان وجنوده يقيمون في سبيل ذلك العراقيل والشبه، ويلقون بالموانع التي تكل أمامها عزائم الكثيرين إلا من عصم الله، ومن ثم نذكر نوعًا من تلك الشبه في نظر أصحابها، وهي شبه واهية، وهي أمام الحق الصادع والعدل الرادع، ثم نناقش تلك الشبه بشيء من العقلانية
   أما عن الشبهة الأولى: فزعم من قال بها أن في إقامة الحدود نوعًا من القسوة والعنف التي تتنافى مع الإنسانية الرحيمة، ومع الشفقة التي يجب أن يتحلى بها الناس، والتي تساير المدنية الحديثة والحضارة الراقية المهذبة.
·       وللرد عليها نقول: كل ما في هذه الشبهة كلمتان : أنها قسوة، وأن القسوة لا تليق بالإنسان، ونقول لهم: نعلم أن في إقامة الحدود مظهرًا من مظاهر الشدة التي تسمونها قسوة، ولا بد لكل عقوبة أن يكون فيها مظهر قسوة أيًّا كانت، حتى ضرب الرجل لولده تأديبًا وتهذيبًا يمكن أن تقول إن فيه مظهر قسوة، وإذا لم تشتمل العقوبة على شيء من القسوة فأي أثر لها في الزجر والردع؟! والشاعر الحكيم يقول:
فقسا ليزدجروا......
·       ثم تعالوا معي لنتساءل ما الذي حمل على هذه القسوة التي تخالف إنسانيتكم؟ وما الذي دفع القاضي إلى أن يحكم بهذه القسوة فيما تزعمون؟.
  إن الذي دعا إلى هذه القسوة شيء أشد منها قسوة، ولو تركنا هذه العقوبة القاسية -فيما تزعمون- لوقعنا في أمر أقسى من العقوبة، وأقسى من موجب العقوبة، فمن الرحمة والشفقة أن نقيم الحد، ففيه رحمة للمحدود، وبمن اعتدي عليه.
·       فحرصًا على سلامة جسم المجتمع من سرطان الجريمة كان من الحزم الواجب استئصال العضو المريض الذي لا يرجى من بقائه إلا الفساد والإفساد، ومن الحكمة أن يبتر عضو فاسد إبقاء وإنقاء لمجموعة سليمة من الأعضاء، تعد بالمئات والآلاف المؤلفة.
·       ومن شبههم قولهم:: لماذا كان القتل في حد المحصن رجمًا بالحجارة؟ أليس ذلك تحقيرًا وازدراءً للإنسانية؟ أو ليس هناك وسائل للقتل أشفق وأرحم وأحسن -إن صح هذا التعبير- وأسرع؟ ونبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقرر أن الله كتب الإحسان على كل شيء، ((فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)) وأي إحسان
...في القتل بالرجم، أليس الصعق الكهربي مثلًا أو الشنق أو ما إلى ذلك من وسائل الإزهاق السريع أخف على المحدود؟.
·       إن كنتم تنازعون في كيفية القتل وطريقته، فإننا نتكلم معكم في مسألتين:·
 الأولى: أن هذا قتل لا يراد منه الإزهاق الروحي وكفى، وإلا فكان الصعق الكهربي أسرع في تحقيق الغرض المنشود كما تقولون، وإنما الراد من هذا القتل الزجر والردع عن مقارفة الجريمة الشنعاء، فليكن القتل بطريقة تليق بمن اقترف هذا الإثم المستبشع، إنه ارتكب جرمًا أهدر فيه كرامة الإنسان، ولطخ بأقذر القذر شرف الإنسان، وضيع معالم النسب الإنساني، وحكم بالقتل الأدبي على طائفة من بني الإنسان فضلًا عن القتل المادي والوأد الظاهر أو الخفي الذي ألحقه بمجموعة من سلالة الإنسان، ثم ليكن في قتله بهذه الصورة عبرة لمن تسول له نفسه أو يزين له شيطانه أن يقارف تلك الجريمة النكراء، والعاقل من اتعظ بغيره
       المسألة الثانية: هل تجزمون أنتم بأن القتل بالصعق الكهربي مثلًا أخف ألمًا، وأسرع إزهاقًا من القتل بالرجم؟ وهل على ذلك من دليل؟ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولو فرضنا أنكم أتيتم ببرهان، أفلا يجوز أن يكون من مقاصد الشارع الحكيم أن يقتل المرجوم رجمًا زيادة في الإيلام؛ لجريمته التي ارتكبها، ولتنفير غيره من مقارفة تلك الجريمة.·       إن الذي فرض العقوبة وقدرها، وبين كيف تكون إنما هو العليم الخبير الذي يعلم دروب النفوس البشرية وخباياها ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

Bab2 القصاص في النفوس
  الجناية مأخوذة من جنى الذنب عليه يجنيه جناية؛ أي جره إليه، والفاعل جان وجناة، ونقول: جنى فلان على قومه جناية؛ أي أذنب ذنبا يؤخذ به.·       أما عن تعريف الجناية في مفهوم الشرع فهي كل عدوان من قول أو فعل يجره إنسان على نفسه أو غيره، وقد غلب في لسان الفقهاء الحديث على الجرح والقطع من جملة الحديث عن الجناية، وهنا يجب علينا أن نذكر أنواع الجناية إتماما للفائدة ما أمكن، وفي بيان ذلك نقول الجناية ستة أنواع:صفحة ٦/١ ·       الجناية على النفوس والأبدان.
·       الجناية على الأنساب.
·       الجناية على الأعراض.
·       الجناية على الأموال.
·       الجناية على العقول
الجناية على النفوس والأبدان: إن هذا النوع من الجنايات ينقسم إلى ثلاثة؛ أقسام الجناية على النفس بالقتل، الجناية على ما دون النفس من الأطراف أو الجروح، الجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه؛ كالجناية على الجنين مثلًا.
·       القتل العمد بغير حق معتبر في شريعة الإسلام؛ إذ إنه من أكبر الكبائر التي توعد الله فيها القتلة الجناة بأشد العذاب، وقد نزلت آيات القرآن الكريم تؤذن وتوضح عظمة تلك الجريمة وفظاعتها واشتداد الغضب على الذين يجترئون على الدماء البريئة فيغرقونها ظلمًا وعدوانًا، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)).
·       وفي السنة النبوية أبلغ تنديد بالقتل ظلمًا، وفيها من الكشف عن فظاعة العدوان على الدماء البريئة ما يهز المشاعر ويقرع القلوب قرعًا. 
موجب العقوبة أو القتل العمد مقتضاه عقوبة؛ لأنه قتل بغير حق، ومن ثم فطالما أنه قتل بغير حق فلا بد أن يستوجب عقوبة، وقد اختلفت كلمة الفقهاء في موجب القتل العمد أو في عقوبة القتل العمد على قولين:·       القول الأول: وهو أن موجب القتل العمد القصاص عينًا؛ أي يتعين القصاص دون غيره كعقوبة على القتل العمد، ومن ثم فلا تجب الدية إلا بالاختيار، ويتحقق الاختيار بأن يختار ولي القتيل الدية مباشرة  من غير أن يسقط القصاص مطلقًا، فله في تلك الحالة أن يقول: أختار الدية أو يقول عفوت على الدية، أما إذا قال: عفوت عن القصاص مطلقًا من غير تقييد فليس له بعد ذلك شيء لا قصاص ولا دية؛ لأن موجب هذا النوع من القتل العمد عند أصحاب هذا القول يتعين في القصاص فقط، فإذا عفا عنه سقط كل حق له بعد ذلك في المطالبة بالقصاص أو الدية، فلو عفا الولي عن القصاص مطلقًا سقط القصاص ولم تجب الدية؛ لأنه لا يجب له كما بينا إلا القصاص، وقد أسقطه بالعفو.
·       أصحاب القول الثاني يرون أن موجب هذا النوع من القتل أحد الأمرين؛ القصاص أو الدية، وذلك على التخير؛
  ...أي يخير بين القصاص أو بين الدين، فأولياء المقتول لهم أن يختاروا إما القصاص من الجاني وإما الدية.
·       وجوب الكفارة في القتل العمد، والعلماء في ذلك على قولين:
·       القول الأول للحنفية والحنابلة حيث قالوا: لا وجوب للكفارة في القتل العمد، وقالوا: إن الكفارة في الخطأ إنما جعلت شكرًا لنعمة الله الذي مَنَّ عليه بسلامة الحياة مع جواز انعدامها بالقصاص، ومن ثم فلا مجال بعد ذلك  لقياس القتل العمد على الخطأ لثبوت الكفارة.
·       أما القول الثاني فهو للمالكية والشافعية ولأحمد في رواية؛ حيث قالوا: كل قاتل عمدًا عفي عنه وأخذت منه الدية عليه الكفارة، ووجه ذلك أن الشارع إذا أوجبها في الخطأ الذي وضع عنه الإثم كان العمد أولى بها، ولا شك في أن هذا الكلام الصادر عن القول الثاني له وجاهته.
·       القصاص في اللغة كما نعلم من اقتصاص الأثر، ثم غلب في قاتل القاتل، وعلى أية حال فقد اتفق الفقهاء على أنه إذا قتل إنسان استحق القصاص وورثته كلهم؛ ذلك أن القصاص موروث فكان لورثة القتيل حق استيفاء القصاص؛
  ...لأن هذا حقهم كالمال فكما أن المال حق للورثة -أي المال الذي تركه المقتول- فكذلك هذا الحق في القصاص حكمه حكم المال فيورث، والورثة هم المستحقون.
·       وبالرغم من أن الاتفاق حاصل على ذلك العموم، إلا أنه ثمة خلاف لدى الفقهاء في ذلك حيث وجدنا من يرى أنه لا يرث القصاص إلا العصبات من الرجال؛ لأن القصاص يدفع العار عن ذوي النسب فاختص به العصبات، فإن اقتصوا تم لهم ذلك، وإن عفوا على الدية كانت لجميع الورثة؛ وهو قول الإمام مالك -رحمه الله- وخلاصته أن أولياء الدم هم العصبات فيسقط بعفو بعضهم.
·       وجدنا أيضا من يرى أن القصاص حق من كان وارث بنسب لا بسبب؛ أي لا يدخل في هذا الحق من كان وارثًا بسبب كالزوجة مثلًا، ووجه ذلك أن القصاص يراد به التشفي والزوجية تزول بالموت، فلم يعد الوارث بسبب الزوجية ذا حاجة للتشفي بعد انقطاع الزوجية، وهذا قول ابن شبرمة وآخرين.
·       وجدنًا أيضًا من يرى أن هذا الحق حق لجميع الورثة، ويستوي في ذلك من يرث بنسب ومن يرث بسبب؛ وهو
...قول أبي حنيفة والشافعي والثوري وأحمد؛ حيث ذهبوا جميعًا إلى أن كل وارث يكون قوله معتبرًا في إسقاط القصاص، وفي إسقاط حظه من الدية؛ حيث وجدنا عن الشافعي في هذا الصدد أنه يستوي استيفاء حق القصاص من الورثة من كان فيهم غائبًا أو حاضرًا أو صغيرًا أو كبيرًا

Bab3 الأحكام المتعلقة بالقصاص
القتل شبه العمد هو ما وجد فيه القصد إلى الضرب دون القصد إلى القتل؛ بمعنى أن يقصد شخص ضرب الآخر بما لا يقتل غالبًا سواء ضربه لقصد العدوان عليه أو لقصد التعليم والتأديب؛ كما لو ضربه بالسوط والعصى أو الحجر الصغير، وحكمه أو العقوبة المقررة عليه أنه لا قصاص فيه، بل فيه الدية مغلظة؛ لأن الضارب قد تعمد الفعل، لكنه أخطأ في القتل؛ أي انعدم القصد منه إلى القتل.
·       أما عن القتل الخطأ فيتمثل في أن يفعل إنسان فعلًا لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه ويقتله، وجملة ذلك أن القتل الخطأ يتمثل فيما لو رمى إنسان شيئًا فأصاب به مسلمًا أو ذميًّا لم يرده بما قد يمات بمثله؛ هذا خطأ، وموجب القتل الخطأ الدية على العاقلة والكفارة على القاتل، والأصل في ذلك قول الله تعالى: ((وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا)) وبذلك فمقتضى القتل الخطأ إعتاق رقبة مؤمنة، وأداء دية لورثة القتيل تؤديها عاقلة القاتل مع حرمانة من الميراث
الجناية على ما دون النفس على أربعة أنواع :
·       النوع الأول: إبانة الأطراف وما يجري مجراها؛ أي جناية بترتب عليها قطع الأطراف كقطع اليد والرجل والشفة والأنف واللسان مما يبان عن الجسد على نحو واضح ومحدد.
·       النوع الثاني: إذهاب معاني الأطراف مع بقاء أعيانها؛ أي إذهاب منفعة العضو مع بقاء العضو؛ كما لو وقعت الجناية مثلًا على الأذن فأذهبت حاسة السمع واستبقت عين الأذن.
·       النوع الثالث: الشجاج؛ والشجاج جمع ومفرده شجة، والشجة يقصد بها الجراحة في الرأس أو الوجه، فكل جراحة في الرأس أو الوجه يطلق عليها شجاج، أما ما كان من جراحة أو إصابة في غير الرأس والوجه فإنه يسمى جرحًا.
·       النوع الرابع الذى هو الجراح أو الجروح وهو جمع ومفرده جرح، ويعني الشق في البدن، والجراح نوعان
...جائفة، وغير جائفة؛ جائفة؛ أي تصيب الجوف، فنقول مثلًا: جاف فلانًا بطعنة في جائفة، فالجائفة هي التي تصل إلى الجوف، والمواضع التي تنفذ منها الجراحة إلى الجوف هي الصدر والظهر والبطن والجنبان والحرق؛ وغير ذلك.
·       العقوبة فيما إذا كانت الجناية فيما دون النفس عمدًا؟
·       قالوا: إن كانت الجناية فيما دون النفس عمدًا فهنا تكون العقوبة القصاص، لكن القصاص ليس على الإطلاق كعقوبة، وإنما إذا كانت المماثلة ممكنة؛ أي إذا أمكن القصاص فيما دون النفس وتحققت المماثلة دون تجاوز هنا تكون العقوبة القصاص، أما الجروح والشجاج التي تنتفي فيها المماثلة فلا قصاص فيها كما سبق وأن بينا إلا في الموضحة فقط؛ لأن القصاص في الموضحة ممكن لتحقق المماثلة، والقصاص فيما دون النفس فيه ما يمكن المماثلة كجناية على الأطراف، فالجناية على الأطرف يمكن فيها المماثلة، وكذلك الموضحة، ولا شك أن القصاص يجب في تلك الحالة فيما يمكن فيه مماثلة الأطراف أو الموضحة.
4 n 5 blm


Bab4 تابع الأحكام المتعلقة بالقصاص
   ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان وإذنه.
·       لو استوفى الولي حقه في القصاص من غير حضرة السلطان كان له ما صنع إلا أنه يعزر لافتياته على الحاكم بفعله ما منع من فعله؛ أي أنه بهذا التصرف قد تجاوز الحدود، أما وأننا مأمورون بطاعة أولي الأمر ، هذا قول، ومع ذلك فنجد في المسألة قولاً آخر وإن كان ضعيفًا إلا أنه يرى أن لولي القتيل الحق في استيفاء القصاص ولو لم يحضره السلطان أو يأذن به خاصة إذا كان القصاص في نفس، وهؤلاء استدلوا لما ذهبوا إليه بما ورد أن رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- برجل يقوده بنسعة؛ أي مقيد بحبل فقال: إن هذا قتل أخي فاعترف بقتله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((اذهب فاقتله)).
·       وقالوا أيضًا: إن اشتراط حضور السلطان لا يثبت إلا بنص أو إجماع أو قياس ولم يتثبت ذلك.
·       يستحب عند تنفيذ القصاص أن يحضر شاهدان، والحكمة كي لا يجحد الأولياء ذلك، ولا مانع أيضًا أن يشهد عملية التنفيذ فريق من قبل الحاكم، ويراعى الأمور التي جاءت بها الشريعة عند تنفيذ القصاص من أمر المقتص
...منه بأداء ما عليه من صلاة أو وصية، كما يسن أيضًا أن يساق إلى موضع التنفيذ برفق، وأن تستر عورته وتشد عيناه، ويسن كذلك أن يكون السيف صارمًا إلا إذا كان الجاني قد قتل بسيف كال؛ أي غير قاطع أو غير حاد فحينئذ يقتل بمثله على سبيل المماثلة؛ إذ القتل بالسيف الكال يتضمن تعذيبًا زائدًا، وقد نهى عنه الشارع.
·       لو أن الولي عفا عن الجاني ثم بعد عفوه ذهب وقتل الجاني، لا شك أن الشريعة الإسلامية توجب القصاص في تلك الحالة في حق القاتل الثاني، ويستوي في ذلك ما إذا كان العفو مطلقًا أو إلى الدية؛ وذلك لقول الله تعالى: ((فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) ؛ أي اعتدى بالقتل على الجاني بعد العفو إلى الدية.
·       لو اقتص من الجاني هل هذا يعتبر رفع عنه العذاب في الآخرة أم ماذا يكون الحكم؟
·       ثمة خلاف للعلماء في ذلك نوجزه في القولين التاليين:
·       أحدهما: إن للجاني إن عوقب قصاصًا في الدنيا فإن ذلك يرفع عنه العذاب في الآخرة، ويؤيد هذا الحديث ((السيف محاء للذنوب))؛ أي القصاص يمحي الذنب
  ثانيهما: إن الجاني سوف يلقى حظه من العذاب في يوم القيامة بالرغم أن القصاص عوقب به في الدنيا، ولا شك أن تعذيب الجاني في الآخرة أو عدم التعذيب مرهون بصدق التوبة منه؛ فإن هو تاب توبة صادقة مخلصة قبل أن يقتل قصاصًا كان له في الله رجاء بالمغفرة والعفو، وإن لم يتب وظل على حاله من الإصرار وعدم الاستغفار حتى قتل فأنى له العفو والغفران؟.
·       قد يسقط القصاص عن الجاني في عدة أحوال، ولكن هل سقوط القصاص يقتضي سقوط الدية؟
·       قالوا: يقتضي سقوط القصاص عدم وجود الدية للولي عند الحنفية طبعًا، أما وإننا قد قلنا: إن عقوبة القتل العمد عند الحنفية تتعين في القصاص فقط، أما وقد سقط فلا مجال للدية عند فقهاء الحنفية.
·       شروط القصاص :
·       الركن الأول القاتل ويشترط له أربعة شروط حتى تكتمل الجناية، ويستوجب عند توافر تلك الشروط إنزال القصاص بالجاني.
·       الشرط الأول: أن يكون القاتل عاقلًا.
·       الشرط الثاني: يشترط أن يكون بالغًا.
·       كذلك من الشروط التي تشترط في القاتل: أن يكون متعمدًا في القتل قاصدًا للمقتول.
·       اشترطوا أيضًا في القاتل أن يكون مختارًا؛ يعني غير مكره، وفيه نظر.
·       الركن الثاني المتمثل في المقتول، فلا شك أن للمقتول أيضًا شروط حتى نقول بوجوب القصاص.
·       الأول :  ألا يكون المقتول جزءا من القاتل.
·       الشرط الثاني: ألا يكون المقتول مِلك القاتل.
·       الشرط الثالث: أن يكون المقتول معصوم الدم مطلقًا؛ أي أن يكون هناك تكافؤ بين دم القاتل ودم المقتول، ويقصد بذلك أن تكون العصمة على التأبيد؛ أي عصمة المقتول على التأبيد؛ أي يكون معصوم الدم مطلقا، وليست..
...محددة بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال.
·       كيفية استيفاء القصاص
·       هل يشترط القصاص بالسيف :
·       فقهاء الحنفية والحنابلة في أحد أقوالهم يرون أن القصاص لا يكون إلا بالسيف.
·       القول الثاني وهو للإمام مالك والشافعي وأحمد في القول الثاني حيث ذهب هؤلاء جميعًا إلى أن المماثلة معتبرة في استيفاء القصاص؛ وعليه فإن للولي أن يقتص من الجاني بنفس الطريقة التي وقعت بها الجناية

Bab5 التعزير وأحكامه
التعزير في عرف أهل الشرع عقوبة يفوض التقدير فيها إلى الحاكم شرعت حقًّا لله تعالى أو للآدمي، وسميت هذه العقوبة باسم التعزير أخذًا من معناها اللغوي الذي هو المنع والنصرة؛ لأن الشأن في هذه العقوبة أن تمنع من وقوع الجريمة، ومن منع شخصًا عن جنايته فقد نصره؛ ولذلك لما قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((كيف ننصر الظالم؟ قال: أن تمنعه من ظلمه؛ فإن منعته عن ظلمه فقد نصرته)).صفحة ٥/١ ·       نوع العقوبة في التعزير وكذا مقدارها موكول إلى تقدير الحاكم، ومن ثم فهي تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، كما يجوز للإمام الزيادة في مقدارها أو النقص منه، وقد تسقط إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك امتثالا لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم))، وقد فسر العلماء ذوي الهيئات بأنهم أهل الصلاح والتقوى الذين لا يعرفون الشر، ولكن قد يقع منهم فلتة فيعفى عنهم؛ لقيمتهم الدينية بين الناس ومراعاة لحسن نياتهم وعدم اعتيادهم على الرذيلة
  حكم التعزير قد يكون الوجوب كما في حق العبد إذا طلب استيفاء حق إلا في حق القاضي أو الحاكم إذا اعتدي عليه فإن له ترك التعزير وإقامته؛ وحينئذ يكون حكم التعزير الجواز.
·       الفقهاء يرون أنه لا حد لأقل التعزير، وهو إنما يكون تبعًا لحال الخاطئ من الشرف أو من المروءة والسفه، وكذلك تبعًا لمستوى الخطيئة المقترفة؛ وعلى هذا ليس من حد معين لأقل التعزير، بل هو منوط باجتهاد الحاكم ليقدر ويقرر من العقاب ما هو مناسب كما لو عزر مثلًا بالتنبيه أو بالتأنيب أو التوبيخ أو الزجر صياحًا أو الضرب أو الحبس أو نحو ذلك.
·       هذا فيما يتعلق بأقل التعزير، ولكن مع ذلك وجدنا لفقهاء الحنفية كلام في أقل التعزير حيث قالوا: أقله ثلاث جلدات.
·       لا شك أن أكثر العقوبة موضع خلاف بين العلماء حيث ذهب الإمام أبو حنيفة والشافعي الظاهر من مذهبه
...وأحمد في الراجح من قوليه إلى أن أكثره من حيث الضرب تسعة وثلاثون سوطًا في الحر، مع مراعاة مذهب الحنفية هنا؛ وهو المساواة في مقدار التعزير بين الحر والعبد خلافًا لمذهب الجمهور في ذلك حيث يرى الجمهور أن عقوبة العبد تعزيرًا على النصف من عقوبة الحكم.
·       وفي الرواية الثانية عن الإمام أحمد أن التعزير لا يزاد على عشر جلدات لحديث أبي بريدة الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)).
·       وجملة القول في مذهب الإمام مالك أن عقوبة التعزير تختلف بحسب اختلاف الذنوب وما يعلم من حال المعاقب من حيث صبره على يسير الجلد أو ضعفه عن ذلك، وكذلك من حيث انزجاره إذا عوقب بأقلها أو بأشدها، وما قالته المالكية في اختلاف عقوبة التعزير يتفق مع قول الجمهور في ذلك؛ فهم مجمعون على التفاوت في حجم التعزير على الجاني تبعًا لحجم الجناية، وتبعا لحال الجاني من القوة والضعف أو من حيث المروءة والتبلد
    ...أو من حيث الشرف والسفاهة، وكذلك تبعًا للزمان والمكان الذي وقعت فيه الجناية؛ فمثلًا ما كان من جناية في رمضان يستوجب تعزيرًا أشد مما لو كان فيما سواه، وما كان في مكة مثلًا يستوجب تعزيرًا أشد مما سواها من البلدان؛ على أن دليل المالكية على الزيادة في التعزير عن الحد ما ذكر عن عمر -رضي الله تبارك وتعالى عنه- ضرب معن بن زياد أربعمائة جلدة.
·       أما الحديث ((لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)) فقد تأولوه على غير ما ذهب إليه الجمهور؛ حيث أولوه وقالوا: إن هذا الحديث على هذا المعنى مقصور على زمنه -عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر وهو ما نميل إليه ونرجحه.
 ·       خصائص العقوبة التعزيرية:
·       أولا: إنها عقوبة غير مقدرة ولا معينة النوع
      الأمر الثاني: أن العقوبة التعزيرية لا يشترط فيها البلوغ.
·       ثالثًا: أن جرائم التعزير لا يتشرط في شهودها أن يكونوا على صفة خاصة أو عدد معين، بل تجوز فيها شهادة الواحد وشهادة النساء

Bab6 الديات في النفوس
الديات جمع، ومفرده دية بالكسر، وهي حق القتيل، والفعل وَدَى يَدِي. ونقول: وداه أي: أعطى ديته.صفحة ٥/١ · 
ولا شك أن الدية مشروعة، ومما يدل على مشروعية الدية الكتاب والسنة والإجماع.
·       في أي مال تكون الدية؟ وهل هي في الإبل خاصة أم في الإبل والذهب والفضة؟ وهل هي في هذا خاصة أم في البقر والغنم؟.
·       خلاف بين الفقهاء؛ حيث وجدنا العلماء في تحديد ذلك على أربعة أقوال.
·       القول الأول:  الأصل في الدية هي الإبل فقط، وهذا هو قول الشافعي، والمعتمد عند الحنابلة، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
·       أما القول الثاني: فيرى أن أصول الدية ثلاثة:  الإبل، والذهب، والفضة، وهو قول الإمامين العظيمين: أبي حنيفة، ومالك، ومعهم آخرون من أهل العلم؛ حيث اتفقوا جميعًا على أن موجب القتل الخطأ الدية، وهي ألف دينار
...على أهل الذهب، واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق؛ يعني أهل الفضة عند الإمام مالك، خلافًا لأبي حنيفة فهي عنده عشرة آلاف ومائة من الإبل على أهلها.
·       القول الثالث: ويرى أن ثمة أصولًا خمسة للدية، هي: الإبل، والذهب، والفضة، والبقر، والغنم، وهو ما ذهب إليه أحمد في الرواية الثانية، وهو قول: عمر، وعطاء، وفقهاء المدينة.
·       القول الرابع: ويذهب من قال به إلى أن أصول الدية ستة أنواع: الإبل، والذهب، والورق، والبقر، والغنم، والحلل، وبذلك فأصول الدية عندهما: من الإبل مائة، ومن الذهب ألف دينار.
·       اتفقت كلمة العلماء على أن دية الخطأ من الإبل تكون أخماسًا، وثمة رواية أخرى عن علي أنه جعلها أربعًا. والصحيح أن دية الخطأ من الإبل تكون أخماسًا.
·       أجمع العلماء على أن دية المرأة نصف دية الرجل، ولكن ما الحكمة على أن تكون دية المرأة المسلمة على
...النصف من دية الرجل؟ لعل الحكمة تنطوي من مثل هذا التشريع هو الأخذ بعين الاعتبار حجم الضرر المادي الناجم عن موت كل من الرجل والمرأة، فإنه مما لا شك فيه أن حجم الضرر في موت الرجل لهو أكبر منه في موت المرأة، وذلك في ضوء الخسارة الفادحة التي تنتاب الأولاد الصغار، وهم يتركون من غير معيل علمًا بأن معيلهم الأكبر والرئيس غالبًا الأب، وإنه علاوة على الخسارة النفسية أو السلوكية المحتملة لا جرم أن تكون الخسارة مما يصيب الأولاد والأسرة من إعسار وافتقار أشد.
·       أما عن دية الذمي إذا قتل خطأ، فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال.
·       أولها: إن ديته على النصف من دية المسلم، ذكرهم على النصف من دية الذكر، وأنثاهم على النصف من دية الأنثى المسلمة. وهذا قول المالكية والحنابلة، وبه قال عمر بن عبد العزيز.
·       القول الثاني: أن ديته على الثلث من دية المسلم. وهو قول الشافعي وأبي ثور وإسحاق، وهو مروي عن عمر
...بن الخطاب وآخرون.
·       القول الثالث: أن دية أهل الذمة مثل دية المسلمين سواءً بسواء. وهو ما ذهب إليه: الحنفية، والثوري، وعلقمة، ومجاهد والشعبي، وآخرون.
·       والمذهب أن الدية تجب كاملة في قتل النفس المعصومة خطأ، يستوي في ذلك ما لو كان القتيل صغيرًا أو كبيرًا، وضيعًا أو شريفًا، مسلمًا أو ذميًّا.
 ·       لا شك أن الدية تجب على العاقلة، والفقهاء قد اختلفوا  في تحديد المقصود بالعاقلة على النحو التالي:
·       فقهاء الشافعية يرون أن العاقلة هم العصبات الذين يرثون بالنسب أو يرثون بالولاء، وذلك باستثناء الأصل، وإن علا كالأب والجد، وكذلك باستثناء الفرع وإن نزل، فهؤلاء جميعًا يؤدون الدية عن الجاني في القتل الخطأ وشبه العمد، سواء كان ذلك في النفس أو ما دون النفس، على سبيل النصرة وبذل العون بالجاني، ما دام قد ارتكب جنايته...
...غير قاصد لها.
·       في المذهب الحنبلي فيتفق الفقهاء مع بقية أهل العلم؛ أي فقهاء المذهب الحنبلي على أن العاقلة من العصبات، لكنهم أيضًا اختلفوا في الآباء والبنين هل هم من العاقلة أو ليسوا منها.
·       المذهب المالكي يرى أن العاقلة تكمن في العصبات من الأقارب من قبل الأب، فإذا عجزوا عن أداء الدية عن القاتل أخذت من الموالي، وتنجم عليهم -يعني تقسط عليهم- تنجيمًا في ثلاث سنوات.
·       لا خلاف في أن القتل العمد تجب فيه الدية حالة على الجاني، ومن غير إنذار، ومن ثم لا يكون في أداء الدية في القتل العمد شيئًا من التأجيل، لماذا؟ لأن العامد لا يستحق التخفيف أو المواساة.
·       أما القتل الخطأ فهو يوجب الدية على العاقلة في ثلاث سنين إلا ما كان ثابتًا عن طريق الإقرار أو الصلح أو ما كان دون الثلث، فهو على الجاني وحده في ثلاث سنين، وليس على العاقلة،  وذلك الذي ذهب إليه عامة أهل العلم

Bab7 أحكام الديات فيما دون النفوس
  الجنايات على ما دون النفس قسمان: جروح، وأطراف. أما الجروح فهي ضربان: شجاج، وغير شجاج.
·       الشجاج هو ما كان من الجراحات في الرأس والوجه فقط؛ أي: الجراح التي تقع في الرأس والوجه تصنف على أنها شجاج، والشجاج إحدى عشرة شجة، هي: الحارصة، والباضعة، والدامية، والدامعة، والمتلاحمة، والسمحاق، والموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والآمة، والدامغة. هكذا اعتبرها الحنفية إحدى عشرة شجة مضيفين إلى ذلك الدامغة. أما عند غيرهم من الفقهاء فالشجاج عشر، فقد استثنوا من ذلك الشجة الأخيرة، وهي الدامغة.
·       الأرش المقدر أي: الذي له تقدير معين من قبل الشارع الحكيم، كأن تكون عشرًا من الإبل مثلًا أو خمسًا من الإبل أو كذا أو كذا؛ أي: فيها تقدير مقدر أو حد مقدر.
·       من تلك الشجاج التي فيها أرش مقدر: الموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة. أما الشجة الأخيرة، وهي الدامغة، فغير مذكورة في الديات المقدرة لأنها تفضي إلى الموت لا محالة
هذا التقدير جاء في حديث عظيم جامع ومانع وشامل، يتضمن عامة أوجه الديات في النفس  وما دونها من الجروح والأطراف، ونص هذا ما كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل اليمن، وبعث به مع عمرو بن حزم.
·       الشجاج التي قدرت فيها الديات أربع:
·       أولًا: الموضحة، ويجب فيها خمس من الإبل؛ وذلك لما جاء في الخبر، وفي الموضحة خمس من الإبل.
·       ** يستوي في ذلك ما لو كانت الموضحة صغيرة أو كبيرة، ظاهرة أو مستورة بالشعر، فمتى تمت الجناية وصنفت على أنها موضحة؛ يجب فيها خمس من الإبل مطلقًا؛ لأن اسم الموضحة يقع على الجميع، يقع على الصغيرة والكبيرة، والظاهرة والمستورة.
·       في مقدار الأرش قولان للفقهاء
       الجروح هي ما تكون في سائر البدن، وهي قسمان: الجائفة، وغير الجائفة. والجائفة: هي الجراح التي تصل إلى الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر, وغير ذلك، فإن كل واحد من هذه الجروح يجب فيه ثلث الدية, ويستوي في ذلك ما لو كانت الجروح صغيرة أو كبيره.
  ·       أنواع الديات:
·       النوع الأول: ما يجب فيه الدية كاملة، سواء في ذلك الأطراف والمنافع، وذلك يكون في: النفس، واللسان، والكلام، والصوت، والذوق، والمضغ، والبصر, والشم. فالاعتداء على واحد منها يستوجب الدية كاملة.
·       النوع الثاني: ما يجب فيه نصف الدية، وذلك يكون في كل عضو في البدن يوجد منه اثنان، كالعينين مثلًا، فالجناية على الواحد تستوجب نصف الدية.
·       النوع الثالث: ما يجب فيه الثلث، وذلك في أشياء: الآمة، والدامغة، والجائفة
    النوع الرابع: ما يجب فيه الربع، وهو الجفن خاصة؛ لأن في البدن أربعة.
·       النوع الخامس: ما يجب فيه العشر، وهو الأصبع من اليد أو الرجل.
·       النوع السادس: ما يجب فيه نصف العشر، وهو خمسة أشياء: أنملة الإبهام، والسن، وموضحة الرأس, والوجه، والهشم والنقل.
·       النوع السابع: ما يجب فيه عشر العشر، وهو كسر الضلع. وقيل: فيه حكومة عدل.
·       يجب في العينين الدية كاملة, والفقهاء يقولون: يستوي في ذلك ما لو كانت العين صحيحة أو مريضة، كذلك يستوي في هذا ما إذا كانت العين للصغير أو الكبير.
·       الجناية على البصر فيها الدية كاملة؛ لأن البصر هو النفع المقصود بالعين، وإذا ذهب البصر من إحدى العينين دون الثانية وجب نصف الدية، ولو ذهب البصر ثم عاد فلا تجب الدية
    الجناية على اللسان تستوجب الدية كاملة، فلو جنى إنسان على لسان آخر فصار المجني عليه أخرس, هنا تجب الدية كاملة؛ وذلك لأنه جنى عليه في لسانه بما يبطل معه الفائدة من حيث النطق، فأشبه ما لو جنى على عينه فعميت. أما لو جنى عليه بما يذهب بعض الكلام, فقد وجب على الجاني من الأرش بقدر ما ذهب، وإن كان للفقهاء تفصيل في ذلك

Bab8 القسامة والأحكام المتعلقة بها
القسامة لغة: القسامة تأتي في اللغة على عدة معان، منها: الهدنة بين العدو والمسلمين. كما تأتي -أيضًا- بمعنى: الحسن والجمال. والجمع: قسامات. وهي كذلك من القسم، وهو اليمين بالله تعالى.صفحة ٤/١ ·  
أما عن القسامة في اصطلاح الشرع: فهي اسم للأيمان المكررة على سبيل المبالغة، خمسين مرة في دعوى قتيل لم يعرف قاتله. وبيان ذلك، وجد قتيل في مكان ما، ولم يعرف من القاتل، هل يضيع دم القتيل هدرًا، أم أن الشريعة الإسلامية تضمنت ما يحفظ تلك الدماء؟ وفي سبيل ذلك، نجد العمل بالقسامة. والأمر يكون واضحًا في تلك الحالة، فيما إذا لو وجدت البينة بشاهدي عدل، أو تحقق الإقرار من الجاني بارتكاب جريمة القتل. هنا قد استبانت المسألة، واستقر الحكم، ولا خلاف في ذلك، ولا غموض أيضًا، فالحكم إما القصاص، أو الدية، أو العفو إن كان القتل عمدًا. أو الدية، أو العفو إن كان القتل خطأ، أو شبه عمد. لكن، إذا لم يعرف القاتل، فلا مناص حينئذ، ولا مفر من العمل بالقسامة؛ إحقاقًا للحق، وحفظًا للدماء أن تذهب هدرًا
·       والفقهاء في بيان مدى مشروعية الحكم بالقسامة على رأيين:
·       الرأي الأول: يمثله جمهور الفقهاء، وفيهم الأئمة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وداود الظاهري، والشيعة الإمامية، وغير ذلك من أهل العلم. هؤلاء جميعًا ذهبوا إلى الحكم بمشروعية القسامة.
·       الفريق الثاني : ويرى هذا الفريق عدم جواز العمل بالقسامة، وممن قال بهذا: أبو قلابة، وعمر بن عبد العزيز.·       كيفية القسامة : تتمثل في أن يجرى الحلف بأيمان مكررة خمسين مرة، وذلك من أهل المحلة، أو الموضع الذي وجد فيه القتيل. وذلك، أن يحلف خمسون رجلًا من أهل الموضع بالله ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلًا، فإذا حلفوا غرموا الدية، أو يحلف من أولياء القتيل خمسون رجلًا على أن القاتل من أهل هذه الدار، أو من أهل هذه السفينة، أو الجماعة المحصورة، أو نحو ذلك، أو أن يحلفوا -أيضًا- أن القاتل هو فلان على التعيين، وهنا نقول: فإن كان القتل عمدًا استحقوا على الجاني القود، أي: القصاص، وإن كان خطئًا فالاستحقاق على الدية. وهذا قول الجمهور من
...الشافعية، والحنابلة، والمالكية، وآخرين، إلا أننا وجدنا للمالكية تفصيلًا في عدد الحالفين خلاصته اشتراطهم ألا يحلف في العمد أقل من رجلين من العصبات، وعليه، فتتم القسامة فيما لو حلف اثنان من العصبات فصاعدًا، على أن يكون عدد الأيمان خمسين يمينًا، فإذا كانوا مثلًا: خمسين رجلًا، حلف كل واحد منهم يمينًا، وإن كانوا أقل من ذلك، قسمت الأيمان الخمسون بالتساوي، وإن كانوا اثنين حلف كل واحد منهما خمسا وعشرين يمينًا، وهكذا.·       فيم تكون القسامة ؟
·       اتفقت كلمة الفقهاء على أن القسامة لا تجب في غير النفس من الأطراف، والجوارح.
·       من الذي عليه الحلف في القسامة، أهو المدعى عليهم، أم أولياء القتيل؟ ولذلك، فالفقهاء في ذلك على فريقين، الفريق الأول ويمثله: الحنفية، النخعي، الثوري، وجماعة من العلماء، يرى أن الذي تناط به القسامة، إنما هم المدعى عليهم بالقتل
·       أما الفريق الثاني في بيان من الذي يناط به القسامة: ويمثله من الفقهاء: مالك، والشافعي، وأحمد. حيث ذهب هؤلاء إلى أن الأولياء إذا ادعوا القتل على أن بينه وبين القتيل لوث، أي: علامة، أو إشارة.
·       اشترط العلماء لوجوب القسامة شروطًا سبعة